محمد خروب
تتّجه الأنظار اليوم الى العاصمة الكازاخستانية استانا، وسط توقعات مُتبايِنة من اطراف رئيسية واخرى هامشية (وخصوصا عربية.. غائبة او مُغيّبة) بعضها يستند الى وقائع ميدانية تدفعه للتفاؤل بإمكانية حدوث اختراق جاد وفعلي, على طريق تثبيت الهدنة ووقف اطلاق نار لا يزال هشّاً منذ التوقيع عليه بضمانة روسية تركية, قبل يومين من انتهاء العام المنصرم، وبين من هو مُتطيّر ومُتحسِّب من ان يكون «مسار» استانا مجرد «فخًّ» تم نصبه لِإيقاع الفصائل المسلحة السبعة التي وقعّت عليه, وبخاصة بعد تحرير حلب وانهيار الثقة بين المسلحين انفسهم, تبعا لخلافات لم تستطع اطرافها الاقليمية التستر عليها, وبخاصة بعد بروز انقرة في موقع «المتواطئ» حيث تعرّضت لقصف اعلامي عنيف واتهامات, بأنها باعت «الثورة» وفضّلت مصالحها على مصالح الشعب السوري, وغيرها من الاتهامات التي تعكس إفلاسا سياسيا واخلاقيا وخصوصا وطنياً لدى زُمَر الارهابيين هؤلاء، الذين لفرط عمالتهم, صدّقوا ان هناك وجبات مجانية وان حفيد العثمانيين الجدد اردوغان, معني حقا بمصالح السوريين, او ان رطانته الاسلاموية ليست سوى جواز عبور له للهيمنة على هؤلاء المرتزقة وارتهانهم لخدمة بلاده وأطماعها في بلاد العرب, وانه سيتخلّى عنهم عند اول منعطف, وهذا ما حصل على ارض الواقع, والمفاجآت – لمن لا يزال يأمل بالاتراك خيراً –...ستتوالى.
واذا كان كثيرون يُعوّلون على تفاقم الخلاف الروسي الايراني, الذي برز الى السطح في شكل غير مسبوق على لسان الناطق باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف في تصريحات لهيئة الاذاعة البريطانية BBC بان «ايران تُعقّد مسألة مشاركة الولايات المتحدة في مباحثات استانة, رغم ان موسكو ترحب بدور اميركي في المباحثات المذكورة, وان بلاده ترى انه لا يمكن حل الازمة السورية بدون واشنطن».. فإن مجرد اعلان الاخيرة انها كلّفت سفيرها في كازاخستان تمثيلها في المؤتمر دون ان ترسل وفدا الى هناك، يدفع للاعتقاد انه تم تجاوز هذه المسألة – رغم تدني مستوى التمثيل الاميركي – اقله في شأن تباين وجهات نظر طهران وموسكو بما هما الاكثر تأثيرا على الساحة السورية (اضافة الى تركيا بالطبع, التي ترعى المعارضة وتُسيِّرها كما تشاء, تحت طائلة العقاب والنبذ ورفع الحماية, عن كل من يُعارِض أو يَعترِض على أوامِرِها).
التدقيق في مستوى وطبيعة مشاركة الاطراف المعنية (بعيدا عن الدول الثلاث الاكثر نفوذا وهي روسيا، تركيا وطهران) يشي بأن المعارضات السورية المسلحة كما السياسية، تعيش اسوأ اوضاعها الميدانية, التي تؤشر عليها ليس فقط الاشتباكات المسلحة العنيفة التي ما تزال تشهدها مدينة ادلب واريافها، وبخاصة بين الحركتين الأقوى احرار الشام وفتح الشام (التي بايعها فصيل..
جند الاقصى)، ووقوع خسائر بشرية ومادية فادحة في صفوفهما, تُنذِر بانضمام فصائل أخرى لهذه الحركة او تلك, وانما ايضا في الجانب السوري، حيث تتقدم الفصائل للجلوس على طاولة المفاوضات مع وفد الحكومة الشرعية لمناقشة «بند واحد» فقط, وهو تثبيت وقف اطلاق النار، والاتفاق على آليات وضمانات إستمراره، فيما تُشكِّك هيئة رياض حجاب واسعد الزعبي, التي استُبعِدَت من المشاركة, كما عواصم عربية دعمتها وراهنت عليها كثيرا، بأهداف هذا المسار «الأولي» تماما, كما جاء في بيان حركة فتح الشامالنصرة الفرع السوري لتنظيم القاعدة, الذي جاء فيه تحذير شديد اللهجة ضد الذين يريدون التفاوض, مُعتبِراً (البيان) انه لا يمكن لأحد بعينه, ولا يحق لفئة او مجموعة ان تقوم بهذا «الدور» دون كامل اطياف الثورة, مُحذِّراً مَن يُغامِر بمصير الساحة ويتجاوزها, بأن عليه ان «يعي» ذلك ويُدرِكه في المستقبل!! لافتا نظر ما اسماهم «اخوة الخنادق والغزوات, بالانزلاق وراء هكذا مكائد ومؤامرات».
تلتقي إذاً ــ في القراءة والرؤية ــ هيئة رياض حجاب مع حركة فتح الشام, حيث الاخيرة تتوَّعد وتُهدِّد (وهي قادرة... ميدانياً )على إفشال اي اتفاق اذا ما واصل الجميع «اعتبارها وداعش» خارج اطار اي وقف لإطلاق النار, ما يفتح الطريق على مرحلة جديدة تشعر الفصائل المسلحة المنضوية في مسار استانا, بانها «أعجز» من ان تفرض هدنة دائمة او وقفا لاطلاق النار لا يشمل فتح الشام وخصوصا داعش, حيث سيسعى الفصيلان الى «ابتلاع» الفصائل الاخرى, كما يحدث الآن في جبل الزاوية وباقي مدينة إدلب وأريافها ايضا.
في السطر الاخير... قد تبدو جلسات استانا التي ستبدأ اليوم وتستمر ليومين, مجرد «بروفة» لمعرفة مدى وصلابة وخصوصا «وزن» من يرأسهم محمد علوش لمفاوضة الوفد الرسمي السوري, إلا ان مجرد انعقاد «المؤتمر» اشارة الى ان محاولات الحل السياسي لم تُستنفد بعد, وان المراهنين على فشل استانا, بامكانهم التريّث, قبل ان يُلقوا علينا مواعظهم في محاولة بائسة ويائسة لـِ»نعي» هذا المسار والتحضير لمرحلة جديدة من المواجهات العسكرية.
[email protected]